واثق
22/09/2006, 04:54 PM
بسم الله والحمد لله
لاجديد في هذه الرحلة فالغالبية العظمى من بشر الجزيرة قد يمموا وجوههم شطر أبها مستمتعين بالغلاء الفاحش أكلا وشربا وسكنا أحيانا ، والإهمال الذي يشاهده العميان في بعض المتنزهات أحيانا أخرى
لن أزيد فاستصحاب الصور والبكاء والعويل ملء السمع والبصر لكن حياة من تناديه غافلة في صالات التداول هذا مع إحسان الظن وغلبة الحياد
سأصف رحلتنا وعادة ما تكون من البدايات ، لكني سأخالف هذا النهج وأرسم طريقا جديدا فأبدأ من النهايات عبر بوابة العبور ( نعتز بخدمتكم (
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_ktot.jpg
كانت الرحلة ذات موعد محدد لذا يسبقها الاستعداد بوقت كاف تحسبا لسقوط ثقيل على مقعدك في الطائرة بحجة تأخرك ، وقالوا لنا مكتوبا في تذاكرهم الزرقاء موعد الاقلاع الساعة العاشرة والنصف صباحا ، ويا ويلك وسواد ليلك لو تأخرت قيد أنملة . فقلنا سمعا وطاعة ومن ساء سمعا ساء جابة
وحضرنا ... وانتظرنا في صالة الانعاش والانتعاش حيث التدخين ممنوع وعينك لا ترى الشمس ... جلسنا هنا ونحن ننظر لمركوبنا وقد تناوشه الجميع
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_wait.jpg
قالوا الرحيل ، فقلنا حيهلا ومرحبا ووداعا ، وسارعنا الركوب خشية الفوت قبل ألا ينفع الصوت ، وركبنا ، ودعونا ، وصورنا من على الجناح قبل التحرك في جو بديع لم نتمتع بمثله فيما مضى من أيامنا غير يوم ، ولله الحكمة فله الحمد والثناء
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_jnah.jpg
وما أسرع الوفاء بالعهد واحترام الموعد ، فقد تحرك قائدنا وأرجع الدابة استعدادا للرحيل ، لكنها حرنت وأرعدت وأبرقت وأزبدت ، فتوقف برهة بل برهات وكأنه يستجديها أن تمشي ويدعوها للتحرك لكنها دابة ، فأعادها أخيرا لمكانها ، لنجلس داخلها قرابة النصف ساعة دون أن يتكرم من يعتز بخدمتنا ليبين السبب ويوضح الحقيقة . كثر الداخلون والطالعون ، والصاعدون والنازلون والواقفون والجالسون والمتبطحون والنائمون ، ونحن طرشان في زفة من الأنفاس الخانقة ، يتعامل معنا كسجناء بل نزلاء في زريبة كرّم الله الجميع . وأخيرا تنفس اللاقط بدون منخر لتخرج كلمات متتابعة بدون غنن معها أسف مشحون بالغيظ أن انزلوا وتمردحوا وتمسوحوا في صالة أخرى أعدت خصيصا لهذه الحالات النادرة التي دائما تتكرر في ظل الاعتزاز بخدمة المسافرين الذين يعشقون التأخر لأنهم اختاروا هذه المطية فنحن في عصر السرعة .
سألنا ما الخطب ؟ فقيل كما يقال ويردد كثيرا بصوت واحد : خلل فني .
فتجاسرت وسألت أحد أصحاب البدل البيضاء والسراويل السوداء كم سنستغرق في صالة الترف ؟
فأجاب : سنخبركم حينما ينتهي الفلبيني من معاينة العطل .
وكان دقيقا حينما قال : ( معاينة ) لأن الإصلاح غير المعاينة !
ومما أضحكني أن رجلا كبيرا في السن كان بجانبي يتابع حديثي مع المشرف باهتمام بالغ فشارك بملحوظة أضحكتني وأذهبت ما بي من حنق ، ويبدو أنه ركب الطائرة مرتين في حياته ، قال له بعفوية : ( والله الطيارة فيها شوية قربعة فياليتكم تغيرونها لنا ) !
جلسنا وانتظرنا وعرفنا السبب فبطل العجب ، فقد اكتشفنا أن محرك الطائرة في الجناح الأيمن قد كشف مستوره وهتك عرضه وهاكم الدليل بعد طول انتظار حينما ركبنا بعد أربع ساعات بلياليهن
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_engin.jpg
حينما أنزلونا قسرا وجبرا كنا ننتظر بفارغ الصبر من يحترم مشاعرنا ليقول لنا متى نتحرك من هذا السجن المليء بالصراخ والعويل
نتهلل فرحا ونطير جذلا حينا نسمع ( أرجو الانتباه ... ) ليخيب الأمل حينما نسمع أنهم يبحثون عن السيد فلان ، أو ليقولوا حان موعد إقلاع الرحلة علان ( والمطار أجمع ليس فيه سوى أربع رحلات في اليوم ، وحبه صباح وحبه مساء مضاد حيوي لرفع الضغط ) .
وهكذا طال صبرنا رغما عنا ، حتى تكرموا علينا بوجبة خفيفة – زعموا – عبارة عن عصير برتقال الربيع الأصفر والأسود وليس المطور ومعه كعكة تلتهمها بثلاث لقم كبار لو كنت من فصيلة النمل ! يشترط عليك الفلبيني – الذي قام بالتوزيع أولا في صالة كبار الشخصيات الذين سيصلون الرياض قبلنا ونحن في طائرة واحدة ، لأنهم يركبون في الأمام – أقول يشترط عليك ( كرستين الأفطس ) أن تحضر ( كرت صعود الطائرة البوردينغ باص ) ليعلّم عليه علامة أنك أخذت نصيبك وافرا كاملا حلالا بلالا ملالا بدون زيادة أو نقص وهذا تعويض كبير من جراء التأخير ، وتلك العلامة الشيطانية عبارة عن خط بطول ثلاثة سنتيمترات بقلم بيك أبو نص ريال ، والهدف من هذا الوسم ليُعرف أنك في مرابع ( كرستين الأفطس ) وهذا وسمه ورسمه وتلك علومه الغانمة ، وأيضا حتى لا تسول لك نفسك الأمارة بالسوء أن تأخذ كرتونا آخر من عصير الربيع لتمزه كما يفعل الأطفال وربما تكون شيخا كبيرا بلحية بيضاء أمسكت بالعصير بكلتا يديك وأنت تشفط شفطا لتخفف آلآمك ، صورة مأساوية لخدمة راقية يتبجحون بها .
وعاد المبشر ( أرجو الانتباه ) ليبشر بوجبة غداء في وقت لاحق ، ففطن الأذكياء منا وعلم الحذاق والعباقرة وأصحاب الدهاء والمكر والسياسة وسرعة البديهة أن الخلل مطول مرددا : يا ليل ما أبجحك !
ثم جاء صوت البشير أن الإقلاع سيكون في الثانية والنصف ظهرا دقيقة تنطح دقيقة ، وكما عودناكم بدقة مواعيدنا ، وتأخير الأربع الساعات يعوضه وجبة ( كرستين الأفطس ) ولك أن تتصور حال المسافرين الذين لديهم رحلات متابعة ، وآخرين لديهم موعد في مشفى أو محكمة أو صفقة أو ... . لهم الله !
وجاءت الوجبة الموعودة في الساعة الثانية والربع متزامنا مع صوت البشير أن اركبوا الطائرة والذي بشر قبلها بثوان عن وصول وتوزيع الوجبة . فتكالب الناس في صورة مأساوية بشعة تذكر بتوزيع وجبات الإفطار في رمضان على المعتمرين وفقراء الحرم ، تكالبوا على عربية ( كرستين الأفطس ) ومعهم أمتعتهم كل يريد الفوز بوجبة والذهاب للطائرة ، فهذا يخرج من بين الزحام بسبع وجبات ، وذلك بخمس وكأنه اكتتاب في بنك ، وهذا سقطت عمامته وذاك تقطعت نعاله ، صورة مصغرة عن رمي الجمرة يوم الحج الأكبر
هذه الصور المحزنة ينقصها التوثيق ولولا وجود الأرواح لصورت تلك المأساة !
ولم يعد قلم ( كرستين الأفطس ) ذا جدوى وأنى له ذلك مع هذا الهجوم البشري على وجبته ، حيث فرقوها شذر مذر ، وعادت أطلالا يندب حظه العاثر مع هذا الموج المتلاطم
ركض المسافرون في اليمين وجبة وفي الشمال المتاع فظننت أننا في مطار بوركينافاسو هذا إن كانوا يمتلكون من يعتزون بخدمتهم !
ركبنا ... ثم ركبنا ... ثم ركبنا ... وكأن شيئا لم يكن .
للحديث بقية ...
محبكم
واثق
لاجديد في هذه الرحلة فالغالبية العظمى من بشر الجزيرة قد يمموا وجوههم شطر أبها مستمتعين بالغلاء الفاحش أكلا وشربا وسكنا أحيانا ، والإهمال الذي يشاهده العميان في بعض المتنزهات أحيانا أخرى
لن أزيد فاستصحاب الصور والبكاء والعويل ملء السمع والبصر لكن حياة من تناديه غافلة في صالات التداول هذا مع إحسان الظن وغلبة الحياد
سأصف رحلتنا وعادة ما تكون من البدايات ، لكني سأخالف هذا النهج وأرسم طريقا جديدا فأبدأ من النهايات عبر بوابة العبور ( نعتز بخدمتكم (
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_ktot.jpg
كانت الرحلة ذات موعد محدد لذا يسبقها الاستعداد بوقت كاف تحسبا لسقوط ثقيل على مقعدك في الطائرة بحجة تأخرك ، وقالوا لنا مكتوبا في تذاكرهم الزرقاء موعد الاقلاع الساعة العاشرة والنصف صباحا ، ويا ويلك وسواد ليلك لو تأخرت قيد أنملة . فقلنا سمعا وطاعة ومن ساء سمعا ساء جابة
وحضرنا ... وانتظرنا في صالة الانعاش والانتعاش حيث التدخين ممنوع وعينك لا ترى الشمس ... جلسنا هنا ونحن ننظر لمركوبنا وقد تناوشه الجميع
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_wait.jpg
قالوا الرحيل ، فقلنا حيهلا ومرحبا ووداعا ، وسارعنا الركوب خشية الفوت قبل ألا ينفع الصوت ، وركبنا ، ودعونا ، وصورنا من على الجناح قبل التحرك في جو بديع لم نتمتع بمثله فيما مضى من أيامنا غير يوم ، ولله الحكمة فله الحمد والثناء
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_jnah.jpg
وما أسرع الوفاء بالعهد واحترام الموعد ، فقد تحرك قائدنا وأرجع الدابة استعدادا للرحيل ، لكنها حرنت وأرعدت وأبرقت وأزبدت ، فتوقف برهة بل برهات وكأنه يستجديها أن تمشي ويدعوها للتحرك لكنها دابة ، فأعادها أخيرا لمكانها ، لنجلس داخلها قرابة النصف ساعة دون أن يتكرم من يعتز بخدمتنا ليبين السبب ويوضح الحقيقة . كثر الداخلون والطالعون ، والصاعدون والنازلون والواقفون والجالسون والمتبطحون والنائمون ، ونحن طرشان في زفة من الأنفاس الخانقة ، يتعامل معنا كسجناء بل نزلاء في زريبة كرّم الله الجميع . وأخيرا تنفس اللاقط بدون منخر لتخرج كلمات متتابعة بدون غنن معها أسف مشحون بالغيظ أن انزلوا وتمردحوا وتمسوحوا في صالة أخرى أعدت خصيصا لهذه الحالات النادرة التي دائما تتكرر في ظل الاعتزاز بخدمة المسافرين الذين يعشقون التأخر لأنهم اختاروا هذه المطية فنحن في عصر السرعة .
سألنا ما الخطب ؟ فقيل كما يقال ويردد كثيرا بصوت واحد : خلل فني .
فتجاسرت وسألت أحد أصحاب البدل البيضاء والسراويل السوداء كم سنستغرق في صالة الترف ؟
فأجاب : سنخبركم حينما ينتهي الفلبيني من معاينة العطل .
وكان دقيقا حينما قال : ( معاينة ) لأن الإصلاح غير المعاينة !
ومما أضحكني أن رجلا كبيرا في السن كان بجانبي يتابع حديثي مع المشرف باهتمام بالغ فشارك بملحوظة أضحكتني وأذهبت ما بي من حنق ، ويبدو أنه ركب الطائرة مرتين في حياته ، قال له بعفوية : ( والله الطيارة فيها شوية قربعة فياليتكم تغيرونها لنا ) !
جلسنا وانتظرنا وعرفنا السبب فبطل العجب ، فقد اكتشفنا أن محرك الطائرة في الجناح الأيمن قد كشف مستوره وهتك عرضه وهاكم الدليل بعد طول انتظار حينما ركبنا بعد أربع ساعات بلياليهن
http://www.mekshat.com/pix/upload/images20/mk11363_engin.jpg
حينما أنزلونا قسرا وجبرا كنا ننتظر بفارغ الصبر من يحترم مشاعرنا ليقول لنا متى نتحرك من هذا السجن المليء بالصراخ والعويل
نتهلل فرحا ونطير جذلا حينا نسمع ( أرجو الانتباه ... ) ليخيب الأمل حينما نسمع أنهم يبحثون عن السيد فلان ، أو ليقولوا حان موعد إقلاع الرحلة علان ( والمطار أجمع ليس فيه سوى أربع رحلات في اليوم ، وحبه صباح وحبه مساء مضاد حيوي لرفع الضغط ) .
وهكذا طال صبرنا رغما عنا ، حتى تكرموا علينا بوجبة خفيفة – زعموا – عبارة عن عصير برتقال الربيع الأصفر والأسود وليس المطور ومعه كعكة تلتهمها بثلاث لقم كبار لو كنت من فصيلة النمل ! يشترط عليك الفلبيني – الذي قام بالتوزيع أولا في صالة كبار الشخصيات الذين سيصلون الرياض قبلنا ونحن في طائرة واحدة ، لأنهم يركبون في الأمام – أقول يشترط عليك ( كرستين الأفطس ) أن تحضر ( كرت صعود الطائرة البوردينغ باص ) ليعلّم عليه علامة أنك أخذت نصيبك وافرا كاملا حلالا بلالا ملالا بدون زيادة أو نقص وهذا تعويض كبير من جراء التأخير ، وتلك العلامة الشيطانية عبارة عن خط بطول ثلاثة سنتيمترات بقلم بيك أبو نص ريال ، والهدف من هذا الوسم ليُعرف أنك في مرابع ( كرستين الأفطس ) وهذا وسمه ورسمه وتلك علومه الغانمة ، وأيضا حتى لا تسول لك نفسك الأمارة بالسوء أن تأخذ كرتونا آخر من عصير الربيع لتمزه كما يفعل الأطفال وربما تكون شيخا كبيرا بلحية بيضاء أمسكت بالعصير بكلتا يديك وأنت تشفط شفطا لتخفف آلآمك ، صورة مأساوية لخدمة راقية يتبجحون بها .
وعاد المبشر ( أرجو الانتباه ) ليبشر بوجبة غداء في وقت لاحق ، ففطن الأذكياء منا وعلم الحذاق والعباقرة وأصحاب الدهاء والمكر والسياسة وسرعة البديهة أن الخلل مطول مرددا : يا ليل ما أبجحك !
ثم جاء صوت البشير أن الإقلاع سيكون في الثانية والنصف ظهرا دقيقة تنطح دقيقة ، وكما عودناكم بدقة مواعيدنا ، وتأخير الأربع الساعات يعوضه وجبة ( كرستين الأفطس ) ولك أن تتصور حال المسافرين الذين لديهم رحلات متابعة ، وآخرين لديهم موعد في مشفى أو محكمة أو صفقة أو ... . لهم الله !
وجاءت الوجبة الموعودة في الساعة الثانية والربع متزامنا مع صوت البشير أن اركبوا الطائرة والذي بشر قبلها بثوان عن وصول وتوزيع الوجبة . فتكالب الناس في صورة مأساوية بشعة تذكر بتوزيع وجبات الإفطار في رمضان على المعتمرين وفقراء الحرم ، تكالبوا على عربية ( كرستين الأفطس ) ومعهم أمتعتهم كل يريد الفوز بوجبة والذهاب للطائرة ، فهذا يخرج من بين الزحام بسبع وجبات ، وذلك بخمس وكأنه اكتتاب في بنك ، وهذا سقطت عمامته وذاك تقطعت نعاله ، صورة مصغرة عن رمي الجمرة يوم الحج الأكبر
هذه الصور المحزنة ينقصها التوثيق ولولا وجود الأرواح لصورت تلك المأساة !
ولم يعد قلم ( كرستين الأفطس ) ذا جدوى وأنى له ذلك مع هذا الهجوم البشري على وجبته ، حيث فرقوها شذر مذر ، وعادت أطلالا يندب حظه العاثر مع هذا الموج المتلاطم
ركض المسافرون في اليمين وجبة وفي الشمال المتاع فظننت أننا في مطار بوركينافاسو هذا إن كانوا يمتلكون من يعتزون بخدمتهم !
ركبنا ... ثم ركبنا ... ثم ركبنا ... وكأن شيئا لم يكن .
للحديث بقية ...
محبكم
واثق