يقول جدي عبد الله
إن والدي سالم ?
يرحمه الله ? كان وحيد جدي حمد ويخاف عليه كثيرا ? وفي إحدى السنوات العجاف
نزل با لجوار جماعة من الصلب ? وهم في نظر كثير من القبائل ? مع الأسف ?
أقل شأنا ? وهم يمتهنون الصناعة ويجيدونها ويتنقلون بين أهل البادية لتأدية
الأعمال الحرفية التى تترفع عن امتهانها كثير من القبائل ? مهما بلغت
الحاجة إليها ? ولكن هذه الشريحة من الناس " أي الصلب" كثيرا ما
ينسب إليهم المهارة في الصيد ? قالوا لجدي حمد : نقترح عليك أن تعلم ابنك
الرماية والصيد ونحن مستعدون لتدريبه ومصاحبتنا في مهمة القنص ? قال: إني
أخاف عليه لأنه وحيدي ? قالوا له: سوف نحافظ عليه كما نحافظ على أولادنا (
لأن جدي كان يظهر الإحترام لجميع الناس ويساعدهم) فأرادوا مكافأته، وكان
يثق بهم وبكلا مهم ? فقال لإبنه سالم استعد لمصاحبتهم ولا تفارقهم وتعلم
منهم مايفيدك ? وكن حذرا فالبر مليء بالمفاجآت ? قال : لاتخف يا أبي ?
وهؤلاء الناس طيبون حذرون ? وكانوا يصيدون الظباء بكثرة حتى تنوء بحملها
حميرهم وعندما كنا في البر لاحظوا علي كثرة شرب الماء ? وليس معهم سوى قربة
صغيرة ? وخافوا أن أقضي على ما فيها من ماء ? فقالوا كيف نمنعه من التردد
على الماء ? قال حكيمهم : يا سالم نريد أن نعالجك عن كثرة شرب الماء حتى
تصير مثلنا لانذوق الماء في اليوم إلا مرة أو مرتين ? ولكن هل لديك تحمل
لما سنعمله لك ? قال لهم افعلوا ما ترونه صحيحا ? فأوقدوا نارا كبيرة على
الرمل حتى ارتفعت درجة حرارته بحيث لا يطاق ? فأبعدوا النار المشتعلة
والجمر المتقد ? وحفروا حفرة في مكان النار ? وأتوا بقطعة من الخيش الغليظ
? ويطلق عليه اسم " ساحة" ففرشوها على الرمل الحار ? وقالوا : هيا امدد
جسمك عليها فانطرحت عليها ? فأضفوا عليّ باقي الخيش من كل الجهات بمعنى
لفوني فيها ومهدوني كالطفل ? ثم هالوا علي التراب الحار بما يوازي سمكه نصف
المتر على الأقل ? ولم يبقوا مني إلا وجهي ? وانتهى خياري في الحركة أو
الهروب لثقل ما علي من تراب ? وبعد أربع ساعات قالوا لي : سوف نخرجك الآن ?
فأزاحوا التراب عن جسمي وأخرجوني من الحفرة وإذا بالعرق الذي خرج من جسمي
قد حول التراب إلى طين ? وبعد هذه العملية بدأت لا أشرب الماء إلا قليلا
ولا أجد أي رغبة له ? فصرت أكثر تحملا للعطش ? وقالوا الآن جاء دور تعليمك
للصيد حتى صار أحذق منهم في ذلك ? فرجع إلىجدي وهو يحمل هواية ومهارة الصيد
انتفع بها جدي ? وأصبجوا يأكلون ويطعمون ويبيعون ويدخرون القديد من لحم
الظباء ? وما يطلق عليه" الجلاء " وأصبح سالم من أمهر الصيادين حتى فىالبلد
كله ? ولذلك لم ينل منه قطاع الطرق من يأخذون البنادق والإبل والزاد
واللباس من المستضعفين في عمره كله . يرحمه الله رحمة واسعة . والله
المستعان |